
في قطر، لا يُنظر إلى الخط العربي على أنه مجرد وسيلة للكتابة، بل باعتباره فناً ناطقاً بالروح، وجسراً يصل الحاضر بعمق التاريخ الإسلامي والعربي؛ وهو لغة بصرية تحفظ الهوية، وصوت جمالي يُعبّر عن الإيمان والجمال في آنٍ واحد. فالخط في الثقافة القطرية ليس حروفاً منقوشة على الورق، بل هو جزء من ملامح الوعي الجمالي للأمة، ورمز للانتماء والاتصال بالتراث الذي لا يشيخ.
عرفت قطر الخط العربي منذ القرون الأولى لانتشار الإسلام في شبه الجزيرة، حين كانت الكتابة وسيلة لتوثيق المعارف الدينية والعلمية والتجارية؛ ومع الوقت لم تعد الكتابة مجرد أداة، بل تحوّلت إلى فنٍ قائم بذاته، تتزيّن به المساجد والمصاحف والمخطوطات. وفي الدوحة اليوم، يمكن للزائر أن يرى آثار هذا التراث في المعالم الحديثة التي تمزج بين العمارة والخط، مثل النقوش القرآنية على قباب المساجد أو العبارات الخطية التي تزيّن جدران المؤسسات الثقافية والتعليمية.
الخط العربي في قطر اتخذ أشكالاً متعددة، من الخط الكوفي الذي يُستخدم في الزخارف الهندسية والعمارة، إلى النسخ والثلث والديواني التي تزيّن الوثائق الرسمية والمصاحف والمناسبات الوطنية. هذا التنوع يعكس ثراء الذوق القطري الذي يجمع بين الأصالة والحداثة. ومع اهتمام الدولة بالفنون والتراث، وجد الخطاطون المحليون والعرب المقيمون في قطر بيئة خصبة للإبداع، من خلال المعارض، والمهرجانات، والدورات التدريبية التي تُقام في كتارا، ومتحف الفن الإسلامي، ومركز الشيخ فيصل بن قاسم الثقافي.
والخط في قطر لم يَعُد حبيس الورق أو الجدران؛ فقد دخل عالم التصميم الرقمي، ليصبح جزءًا من الهوية البصرية الوطنية. نرى الخط العربي في الشعارات الرسمية، وفي عملات قطر الورقية، وفي التصاميم المعمارية التي تمزج الحرف بالنور والظل. حتى في الحملات الثقافية والمهرجانات، يُستخدم الخط العربي كرمز فني يُذكّر الناس بأن اللغة العربية ليست ماضياً مقدساً فقط، بل حاضراً متجدداً.
ولعل الأجمل أن قطر نجحت في تحويل الخط العربي إلى جسرٍ للحوار الثقافي العالمي. فالمعارض الدولية التي تستضيفها الدوحة تُبرز الخطاطين من مختلف الدول الإسلامية، وتعرض أعمالاً تمزج بين الحرف العربي والتقنيات الحديثة. وهكذا، أصبح الحرف أداة تواصل حضاري، تُعرّف العالم بجمال اللغة العربية، وتُعيد الاعتبار إلى الفن الذي يجمع بين الدقة والروحانية.
ولهذا فإن الخط العربي في قطر ليس مجرد زخرفة تزيينية، بل هو سردٌ صامت لتاريخ الأمة وقيمها؛ في كل انحناءة حرفٍ، هناك ذكرى من الماضي، وفي كل تقاطع خطوطٍ، بصمة من الإيمان والهوية. إنه فن يربط الأجيال ويؤكد أن الجمال حين يتجذّر في اللغة، لا يمكن أن يُمحى بالزمن.