سعادة السفير السيد: عبدالله السليطي حكاية قطري جمع الحكمة بالمهارةالثقافية

عبدالله مبارك السليطي واحد من تلك الشخصيات التي يصعب وضعها في إطار واحد؛ فهو رجل جمع بين صرامة العمل الدبلوماسي وأناقة التعامل الدولي، وبين الشغف العميق بالرياضات الذهنية، وفي مقدمتها لعبة الدامة التي صعد بها إلى منصات البطولة. هذا التداخل بين المجالين—السياسي والرياضي—جعل من سيرته حالة فريدة تستحق التأمل، فهو نموذج للقطري الذي يمارس الإتقان في كل مجال يدخل إليه، دون أن يتخلى عن هدوئه المتزن وابتسامته التي تحمل ودا قطرياً أصيلاً.
ولد السليطي في بيئة قطرية تحتفظ بتقاليدها رغم قربها من ملامح التحديث التي بدأت منذ عقود. نشأ في بيت يقدر الهدوء والاحترام والالتزام، وهي سمات ستشكل فيما بعد نواة شخصيته المهنية. في طفولته، كانت لعبة الدامة جزءاً من المشهد العائلي، تلعب في المجالس وتقدم للأطفال فرصة مبكرة لتعلم التركيز والصبر. لم يكن أحد يتخيل حينها أن الطفل الذي يحرك القطع على الطاولة سيجلس بعد سنوات على طاولة مفاوضات تمثل بلاده أمام دول أخرى، لكن الرابط بين التحركين كان أقوى مما يبدو.
عندما التحق السليطي بوزارة الخارجية، كان يعرف أن الدبلوماسية ليست مجرد مهنة، بل ممارسة يومية للاتزان، ولغة الهدوء، والقدرة على التعامل مع مواقف تمتلئ بالأبعاد السياسية والإنسانية في آن واحد. ومنذ مهامه الأولى، ظهر تأثير شخصيته المنظمة في إدارة الملفات. لم يكن من النوع الذي يندفع نحو النتائج السريعة، بل من النوع الذي يبني الثقة ببطء ودقة، ويفتح قنوات الحوار، ويستمع أكثر مما يتحدث. هذا الأسلوب، الذي لم يكن صاخباً، كان فعالاً على نحو واضح، وجعله يحظى باحترام زملائه وشركائه في العمل الدبلوماسي.
تنقل السليطي بين بلدان مختلفة، كل منها قدم له خبرة جديدة. في العواصم الهادئة كما في المدن الصاخبة، احتفظ بالأسلوب نفسه: رجلٌ يراقب قبل أن يقرر، ويقيس تأثير كل خطوة على المدى الطويل، ويرى العلاقات الدولية بوصفها مساراً إنسانياً قبل أن تكون مساراً سياسياً. كان يدرك أن قيمة الدبلوماسي الحقيقي لا تقاس بعدد الاتفاقيات التي يوقعها، بل بعدد الجسور التي يستطيع بناؤها، وبعدد الأزمات التي يمنعها قبل أن تبدأ.
ومع مرور السنوات، ظل ارتباطه بلعبة الدامة حياً. لم يكن يمارسها لمجرد التسلية، بل كرياضة ذهنية تساعده على الحفاظ على توازنه وسط انشغالات العمل. ومع أن مسؤولياته كانت كبيرة فقد كان يخصص وقتاً للعبة، يستعيد فيها قدرته على التركيز، ويرى فيها فرصة لإعادة ترتيب أفكاره. وبعد انتهاء مسيرته الدبلوماسية، عاد السليطي إلى الدامة ليس بصفة لاعب عاد بعد غياب، بل بصفة شخص يعرف أنه يمتلك ما يلزم ليصنع حضوراً حقيقياً في بطولاتها.
ومع دخوله عالم البطولات المحلية والإقليمية، بدأ اسمه يظهر بين اللاعبين الذين يمتلكون رؤية استراتيجية واضحة. لم يكن يعتمد على التكتيكات السريعة، بل على قراءة هادئة للوحة، وتقدير دقيق لمسار اللعب. وقد أثبتت مشاركاته—وشهادات زملائه—أنه يملك قدرة عالية على توقع خطوات الخصم، والاستفادة من أخطائهم الصغيرة، تماماً كما يفعل في التفاوض الدبلوماسي. وقد حصل على تقدير واسع داخل مجتمع لاعبي الدامة في قطر، باعتباره لاعباً يجمع بين الأخلاق العالية والمهارة الفنية.
لكن الجانب الذي يميز السليطي ليس نجاحه في مجالين مختلفين، بل إدارته لهذا الانتقال نفسه. فهو يرى أن الدبلوماسية والدامة يلتقيان في نقطة واحدة: “الإتقان”. في كلا المجالين تحتاج إلى صبر، إلى قراءة عقل الآخر، إلى التعامل مع الضغط دون انفعال، وإلى القدرة على اتخاذ قرار في اللحظة المناسبة. هذه المهارات التي صقلتها سنوات العمل الرسمي أصبحت اليوم جزءاً من شخصيته الرياضية، وجعلته نموذجاً يحتذى لمن يؤمنون بأن العقل يمكن أن ينجح أينما وضع.
كما يولي السليطي اهتماماً كبيراً بتطوير الرياضات الذهنية في قطر، خصوصاً بين الجيل الجديد. وهو يعتقد أن الدامة ليست مجرد لعبة، بل وسيلة لبناء مهارات التفكير الاستراتيجي، وتعليم الصغار كيفية التعامل مع النتائج—سواء كانت خسارة أو فوزاً—بهدوء ومسؤولية. لذلك أصبح حاضراً في فعاليات تجمع اللاعبين الشباب، ينقل لهم خبرته ويشجعهم على اتخاذ التدريب الذهني طريقاً لتعزيز الثقة بالنفس.
وعلى مستوى رؤيته لقطر، يحتفظ السليطي بنبرة واثقة واضحة. فهو يرى أن الدولة نجحت في عشرين عاماً في بناء نموذج دبلوماسي يحترمه العالم، يعتمد على مبدأ أن الحلول المستدامة تبدأ بالحوار، وأن السياسة يجب أن تبقى إنسانية مهما كانت القضايا معقدة. هذا الإيمان لم يعد بالنسبة إليه مجرد رأي، بل تجربة عاشها على مدى سنوات من العمل الخارجي، في ظروف لم تكن دائماً سهلة.
في نهاية هذا البورتريه، يمكن القول إن مسيرة عبدالله مبارك السليطي ليست قصة رجل جمع بين عمل رسمي ورياضة ذهنية فحسب، بل قصة إنسان وجد نفسه على طريقين مختلفين يقودان إلى النتيجة نفسها: القدرة على اتخاذ القرار بثبات، وبناء الثقة، وإدارة التحديات بذكاء. هو نموذج لشخصية قطرية حافظت على هدوئها في مواجهة عالم متغير، واستخدمت عقلها بأفضل ما تستطيع، سواء على رقعة السياسة؛ أو على رقعة الدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *